الحزم الإيراني والتراجع الأمريكي في مفاوضات مسقط

الجولة الأولى من مفاوضات مسقط بين الحزم الإيراني والتراجع الأمريكي
رمز الخبر : 301

 

أُجريت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية في العاصمة العُمانية مسقط، بوساطة وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، وذلك في أجواء هادئة وواعدة. وقد وصف وزير الخارجية الإيراني، السيد عباس عراقجي، هذه المفاوضات بأنها “بناءة وإيجابية”، وهو ذات الوصف الذي استخدمه المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف فيتكوف.

 

وقد اختُتمت الجولة بلقاء مباشر قصير بين الوفدين الإيراني والأمريكي في منزل وزير الخارجية العُماني، حيث جرى تبادل الحديث حول موضوع المفاوضات.

 

ومن المقرر أن تُعقد الجولة الثانية من هذه المفاوضات أيضًا بشكل غير مباشر في إحدى الدول الأوروبية، لمناقشة عدد من القضايا المتعلقة بالملف النووي، من بينها نسبة تخصيب اليورانيوم، وكمية اليورانيوم المخصّب المخزّن لدى إيران، وأجهزة الطرد المركزي، إلى جانب طبيعة التعاون المستقبلي بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. ووفقًا لما صرّح به مساعد وزير الخارجية الإيراني، مجيد تخت روانجي، أمس الأحد، فمن المرجّح أن تُعقد هذه الجولة في النمسا، ولكن باستضافة رسمية من سلطنة عمان. ونظرًا للطابع الفني والتقني للمفاوضات، من المتوقع أن يشارك فيها مختصون في الشأن النووي، مع تحديد الإطار العام للمفاوضات وملامح الاتفاق المرتقب.

 

اللافت في هذه المفاوضات هو تراجع الولايات المتحدة عن عدد من مواقفها الأولية المعلنة تجاه إيران. فقد كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد رفع سقف التهديدات ضد طهران خلال الأسابيع القليلة الماضية، معلنًا أن أمام إيران خيارين فقط: إما التفاوض والاستسلام، أو الحرب. كما كان يرفض مبدأ المفاوضات غير المباشرة. غير أن الجولة الأولى أثبتت أن الرواية الإيرانية كانت أقرب إلى الواقع، إذ جرت المفاوضات بالفعل بشكل غير مباشر، مما يُعد تراجعًا أمريكيًا عن تصريحاتها السابقة.

 

ويُلاحظ كذلك غياب لهجة التهديد والتصعيد في الخطاب الأمريكي، ولا سيما من قبل ترامب، تجاه إيران، فضلًا عن أن الملف التفاوضي اقتصر على القضية النووية دون التطرق إلى ملفات أخرى مثل البرنامج الصاروخي الإيراني أو صناعة الطائرات المسيّرة. بل حتى في الملف النووي نفسه، تراجعت واشنطن عن مطالبها السابقة، التي كانت تدعو إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل.

 

يمكن تلخيص أبرز الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى تغيير موقفها على النحو الآتي:

أولا، الموقف الإيراني الحازم: أظهرت القيادة الإيرانية، وعلى رأسها قائد الثورة الإسلامية، موقفًا حازمًا حيال المفاوضات، حيث أكّد خلال خطبة عيد الفطر أن أي مفاوضات لن تتم تحت التهديد أو الضغط.

ثانيا، التقدّم النووي الإيراني: إيران باتت تمتلك معرفة وخبرة شاملة في المجال النووي، سواء في البعد المدني أو حتى العسكري. وفي حال استمرت الضغوط والتهديدات الأمريكية، فإن طهران قد تتجه نحو خيار تطوير سلاح نووي، وهو ما لا ترغب به واشنطن بأي حال.

 

ثالثا، الجاهزية العسكرية الإيرانية: أظهرت القوات المسلحة الإيرانية، من خلال المناورات الأخيرة واختبارات الأسلحة المتطورة، امتلاكها قدرات دفاعية وهجومية كافية لردع أي تهديد، وهو أمر تدركه الولايات المتحدة جيدًا.

 

رابعا، التحول في أولويات واشنطن: في الوقت الراهن، تُركّز الولايات المتحدة على مواجهة الصين باعتبارها التحدي الأكبر لمكانتها العالمية. وتسعى واشنطن إلى تحييد إيران عن المحور الصيني، تمهيدًا للاستفراد بالصين ومواجهتها منفردة.

 

المصدر: رأي الیوم. صحیفة عربیة مستقلة

الكاتب: الدكتور جلال جراغي
انشر تعليق